هولندا على مفترق طرق سياسي: بين استمرار الحكومة وسيناريو الانتخابات المبكرة

تشهد الساحة السياسية الهولندية تطوراً حاسماً بعد إعلان حزب الحرية (PVV) بزعامة خيرت فيلدرز انسحابه من الحكومة، في خطوة قد تعني فعليا سقوط حكومة رئيس الوزراء ديك سخوف. ورغم أن هذا الانسحاب لا يعني بالضرورة نهاية التحالف الحاكم، إلا أن احتمالات استمرار الحكومة الحالية تبدو ضعيفة، خاصة في ظل رفض أكبر كتلة معارضة، تحالف اليسار الذي يضم حزب العمال واليسار الأخضر”GroenLinks-PvdA“، لأي سيناريو بديل عن انتخابات جديدة.
سيناريو استمرار الحكومة: حكومة أقلية؟
أبرز الأصوات الداعية إلى الإبقاء على الحكومة بصيغة جديدة تأتي من حزب العقد الاجتماعي “NSC” وحزب المواطن الفلاح “BBB“، وهما طرفان في الائتلاف الحكومي الحالي. تقول ميريام فان فروونهوفن، زعيمة حزب العقد الاجتماعي، إن تشكيل حكومة أقلية يبقى خيارا مطروحا، وذلك عبر مواصلة الحكم بثلاثة أحزاب فقط: الشعب الديمقراطي “VVD” والعقد الاجتماعي الجديد “NSC” والمواطن الفلاح “BBB” وذلك بعد انسحاب حزب الحرية “PVV“.
إلا أن حكومة الأقلية ستواجه تحديات كبيرة في البرلمان، حيث ستضطر إلى كسب دعم الأحزاب المعارضة لكل مشروع قانون، ما يجعل من العمل السياسي عملية تفاوضية يومية. وتضيف فان فروونهوفن: “ليست الطريقة الأسهل، لكنها تضمن إشراك جميع الأطراف البرلمانية في صنع القرار”.
من جهته، لم يحسم الحزب الليبرالي “VVD” موقفه بعد. وقالت زعيمته ديلان يسيلغوز إن “جميع الخيارات مطروحة حاليا على الطاولة”، مضيفة أن الحزب مستعد لتحمل المسؤولية، وإن لم يتضح بعد الشكل الذي ستتخذه هذه المسؤولية.
المعارضة: لا بديل عن الانتخابات
في المقابل، تصطف غالبية أحزاب المعارضة خلف خيار واحد: الذهاب إلى صناديق الاقتراع بأسرع وقت ممكن. وأكد زعيم تحالف اليسار، فرانس تيمرمانس، أن كتلته تطالب بإجراء انتخابات فورية، معتبرا أن “تشكيل حكومة مستقرة لم يعد ممكنا تحت هذه الظروف”.
الموقف ذاته عبر عنه زعماء أحزاب؛ الاشتراكي “SP” وفكر “Denk” والإجابة الصحيحة “JA21“، الذين دعوا إلى تجديد شرعية الحكومة عبر الانتخابات، ورأوا أن أي أغلبية برلمانية محتملة بعد خروج حزب الحرية “PVV” لا يمكن أن تتشكل إلا عبر “اليسار”، وهو ما يرفضونه.
أطراف معارضة منفتحة
رغم هذا الرفض الواسع، أبدت بعض أحزاب المعارضة استعدادا للنقاش حول استمرار الحكومة بصيغ جديدة. فقد صرّحت زعيمة الاتحاد المسيحي “ChristenUnie“، ميريام بيكر، أن الانتخابات ليست ضرورة فورية من وجهة نظرها، بينما أعلن زعيم حزب الإصلاح البروتستانتي “SGP“، كوستل ستوفر، أن حزبه مستعد “لتحمل المسؤولية السياسية” والمشاركة في التوصل إلى حلول حقيقية لقضايا مثل اللجوء وأزمة النيتروجين.
مصير الحكومة: نحو انتخابات في فصل الخريف؟
مع تراجع فرص الاستمرار السياسي، يبدو أن البلاد تتجه نحو تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة في الخريف المقبل، إذ من غير المرجح أن يُتاح الوقت الكافي لتنظيمها خلال الصيف. ووفقا لقواعد القانون الانتخابي، فإن لجنة الانتخابات هي الجهة المخولة بتحديد الموعد الرسمي.
وفي حال تأكد هذا السيناريو، ستتحول الحكومة الحالية إلى وضع تصريف الأعمال (demissionair kabinet)، مما يقيّد قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية، خصوصا في حال طالبت الأغلبية البرلمانية بتأجيل مثل هذه القرارات.
جدير بالذكر أن حزب الحرية “PVV” أعلن أن وزرائه سيغادرون مناصبهم بشكل فوري، ما يفتح الباب أمام إعادة توزيع هذه الحقائب على وزراء من الأحزاب المتبقية في الحكومة. وتبقى هناك تساؤلات حول ما إذا كان بعض وزراء الحرية “PVV” سيبقون في مناصبهم كمستقلين، مثل وزيرة الاقتصاد بليارتس أو وكيل وزارة العدل كونرادي.
اجتماع حاسم للحكومة
من المنتظر أن تتضح معالم المرحلة القادمة خلال الاجتماع الوزاري الطارئ المقرر عقده بعد ظهر اليوم، حيث سيناقش الوزراء السيناريوهات المطروحة لمستقبل الحكم في البلاد.
في ظل هذا المشهد المتقلب، يبقى مستقبل الحكومة الهولندية معلقًا بين سيناريوهين: محاولة أخيرة للاستمرار عبر حكومة أقلية، أو العودة إلى الناخب الهولندي عبر انتخابات مبكرة تعيد تشكيل الخريطة السياسية من جديد.