هولندا تقرّ قانونا يجرّم الدفع النقدي فوق 3000 يورو وسط انتقادات واسعة

صادق مجلس الشيوخ الهولندي، في خطوة مثيرة للجدل، على قانون يُجرّم إجراء المدفوعات النقدية التي تتجاوز قيمتها 3000 يورو، وذلك في إطار ما وصفته الحكومة بـ”تعزيز الجهود لمكافحة غسيل الأموال والجرائم المالية”. غير أن القرار أثار ردود فعل واسعة وُصفت بأنها تعكس “قلقا عميقا” بشأن ما يعتبره البعض تقييدا صارخا للخصوصية المالية وحرية التصرف في الممتلكات الشخصية.
تفاصيل القرار
وبموجب القانون الجديد، فإن أي معاملة نقدية فردية تفوق مبلغ 3000 يورو ستُعتبر مخالفة جنائية، مما يفرض على المواطنين والشركات إجراء مثل هذه المعاملات من خلال أنظمة الدفع الإلكتروني الخاضعة للرقابة. ويأتي هذا القرار ضمن حزمة إجراءات تتبناها الحكومة الهولندية بالتنسيق مع التوجيهات الأوروبية الرامية إلى مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة.
تخيل التالي:
- تشتري شاحنة مستعملة لعملك – جريمة.
- تدفع للمقاول جزءا من أجره نقدا – جريمة.
- تشتري عملا فنيا أو مجموعة مقتنيات – جريمة.
- تشتري دراجة فاخرة نقدا – جريمة.
لم يعد يهم من أنت أو ما هي نواياك. إذا دفعت أكثر من 3000 يورو نقدا، فمكانك أصبح “الدائرة الإجرامية”.
هذه هي منطقية هذا القرار. وهي ليست فقط مثيرة للسخرية، بل خطيرة أيضا.
وكان حزب “منتدى من أجل الديمقراطية” (FvD) قد تقدم بمقترح للإبقاء على الحد السابق البالغ 10,000 يورو، غير أن مجلس الشيوخ رفض المقترح، وصوّت لصالح القانون الجديد بأغلبية ضمّت أحزابا مثل “الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” (VVD) والإجابة الصحيحة “JA21″، وهي أحزاب لطالما أعلنت دعمها لسياسات السوق المفتوحة والحريات الاقتصادية.
ردود فعل سياسية وشعبية
وأثار القانون موجة من الانتقادات، خاصة من قبل قوى معارضة وناشطين مدنيين يرون أن القرار يمثل تهديدا واضحا لخصوصية الأفراد، ويمهد الطريق نحو “رقابة مالية شاملة”، وفق تعبيرهم. وعبّر عدد من البرلمانيين والاقتصاديين عن خشيتهم من أن تُستغل هذه الإجراءات لتقييد حرية المواطنين في إنفاق أموالهم دون مبررات أمنية حقيقية.
وقال مراقبون إن القانون قد يُضعف من تنافسية السوق الهولندية مقارنة بالدول الأوروبية المجاورة التي تحتفظ بسقوف أعلى للمدفوعات النقدية، مما قد يؤثر سلبًا على مناخ الأعمال والاستثمار، خاصة في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
السياق الأوروبي
ويأتي القرار الهولندي في وقت أعلن فيه الاتحاد الأوروبي عن نية تطبيق سقف موحّد للمدفوعات النقدية بقيمة 10,000 يورو بدءا من عام 2027. غير أن هولندا قررت اعتماد سقف أكثر تشددا، ما يجعلها من أوائل دول الاتحاد في تبني هذا النوع من القيود المالية المتقدمة.
جدل حول النوايا
ورغم تأكيد الحكومة أن القانون يهدف لحماية النظام المالي ومكافحة الجرائم الاقتصادية، يرى معارضون أن “الهدف غير المعلن” هو فرض رقابة كاملة على المعاملات المالية، تمهيدا لاعتماد “اليورو الرقمي” الذي سيسمح بمراقبة دقيقة لكل عملية شراء وإنفاق.
ويقول منتقدون إن الدولة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى التحكم في سلوكيات الإنفاق الفردي، مما يفتح الباب أمام ما وصفوه بـ”انتهاك سيادة الفرد على أمواله”، ويطرح تساؤلات جدية حول التوازن بين الأمن المالي والحريات المدنية.
نهاية الخصوصية المالية؟
يرى محللون أن قرار تجريم الدفع النقدي فوق 3000 يورو لا يمثل مجرد تغيير إداري، بل يعكس تحوّلا جذريا في فلسفة إدارة الاقتصاد، حيث تتحول السيولة النقدية من أداة للحرية الفردية إلى هدف للرقابة.
ويحذر خبراء من أن مثل هذه القوانين، إن لم تُرافقها ضمانات قانونية صارمة، قد تقوّض ثقة المواطنين في النظام المالي وتُعمّق الشعور بالارتياب تجاه السياسات الاقتصادية المستقبلية.