اقتصاد

المركزي الهولندي: التحالف مع واشنطن لم يعد مضمونا وعلى أوروبا التحرك فورا

أطلق رئيس البنك المركزي الهولندي (DNB)، كلاس نوت، تحذيرا قويا من تزايد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه أوروبا، مؤكدا أن درجة الغموض واللايقين وصلت إلى مستويات “تاريخية وغير مسبوقة”، تفوق تلك التي شهدها العالم عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، والأزمة المالية عام 2009، وجائحة كورونا في 2020، والحرب الروسية على أوكرانيا في 2022.

جاء ذلك في تقرير البنك المركزي الهولندي نصف السنوي حول استقرار القطاع المالي في هولندا، حيث شدد نوت على أن أوروبا لم تعد قادرة على البناء تلقائيا على الشراكة مع الولايات المتحدة، كما كانت تفعل طيلة الثمانين عاما الماضية، مؤكدا ضرورة تقليل الاعتماد الأوروبي على واشنطن، خاصة في القطاع المالي والبنية التحتية الرقمية.

تحذير من انهيار الثقة بالتحالف الغربي

وقال نوت إن الإدارة الأمريكية – لا سيما في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب – “تزرع الشكوك بشكل متعمد” في العلاقة مع أوروبا، مشيرا إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على الواردات الأوروبية ضمن حربها التجارية المتصاعدة. وأضاف: “علينا أن نستعد لسيناريوهات تصبح فيها العلاقات مع الولايات المتحدة أقل متانة مما كانت عليه”.

واعتبر نوت أن هذا التحول في الموقف الأمريكي يعزز من المخاطر التي تواجه النظام المالي الأوروبي، لا سيما في ظل اعتماد أوروبا على نظام “سويفت” للمدفوعات العابرة للحدود، والذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. وقال: “نحن بحاجة ملحة لتطوير بدائل تكنولوجية ونظم دفع مستقلة لتقليل الاعتماد على واشنطن”.

تهديدات سيبرانية متصاعدة من روسيا والصين

وفي سياق متصل، أشار التقرير إلى تصاعد الهجمات السيبرانية الموجهة ضد القطاع المالي الأوروبي، والتي تتركز على تعطيل أنظمة المدفوعات والبنية التحتية للبنوك، خصوصا مع اقتراب قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي. وأوضح نوت أن معظم هذه الهجمات مصدرها الصين وروسيا، وأنه رغم صعوبة منعها بالكامل، فإن من الضروري ضمان استعادة الأنظمة المصرفية لعملها في أسرع وقت ممكن عند تعرضها لأي اختراق.

كما أعرب البنك المركزي الهولندي عن قلقه من تراجع الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بشأن التهديدات السيبرانية، في ظل مؤشرات على تقارب أمريكي روسي محتمل. وأكد أن أوروبا لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة جزئيًا في هذا الجانب الحساس.

الاعتماد الرقمي على شركات التكنولوجيا الأمريكية

ومن بين المخاوف التي سلّط عليها البنك المركزي الهولندي الضوء، الاعتماد الكبير للمؤسسات المالية الأوروبية على الخدمات الرقمية المقدمة من شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل خدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات وتأمينها. وحذر التقرير من أن تقييد الوصول إلى هذه الخدمات – لأي سبب سياسي أو فني – قد يتسبب في شلل لعمليات الدفع البنكية، مؤكدا أن نقل هذه الخدمات إلى داخل أوروبا “غير ممكن على المدى القصير”.

أزمة الثقة بالدولار وتراجع الأسواق

وأشار التقرير إلى أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي أُعلنت في أبريل الماضي، تسببت في تقلبات حادة في الأسواق المالية العالمية، وأدت إلى تراجع الثقة بالدولار الأمريكي وسندات الخزانة الأمريكية.

وفي تحذير متزامن، أصدر المكتب المركزي للتخطيط (CPB) الهولندي بيانا مشابها، أعرب فيه عن قلقه من إمكانية تخلي الولايات المتحدة عن دورها التقليدي في دعم الاقتصاد العالمي في أوقات الأزمات، كما فعلت سابقا خلال جائحة كورونا عبر ضخ كميات ضخمة من السيولة بالدولار.

المؤسسات الهولندية “صامدة لكن الحذر واجب”

ورغم هذه التحديات، أكد البنك المركزي الهولندي أن المؤسسات المالية الهولندية لا تزال في وضع قوي، لا سيما البنوك التي تتمتع بسيولة كافية واحتياطات عالية. وقال نوت: “الخبر الجيد هو أن منظومتنا المالية قادرة على الصمود في وجه هذه الصدمات، لكن لا يجب أن نركن إلى ذلك. على المؤسسات أن تتحرك بسرعة لتعزيز مرونتها وتقليل تعرضها للمخاطر المرتبطة بالولايات المتحدة”.

واختتم نوت تحذيراته بالتنبيه إلى أن صناديق التقاعد ومديري الأصول في أوروبا استثمروا بشكل متزايد في الأسواق المالية الأمريكية خلال العقد الماضي، مما يزيد من حجم التحديات التي قد تواجهها القارة في حال تفاقمت التوترات مع واشنطن.

اترك تعليقاً

error: انتبه المحتوى محمي بموجب قانون النشر!!

أنت تستخدم أداة حظر الإعلانات

لقراءة المقالة، يرجى إيقاف أداة حظر الإعلانات