أومتزيخت : الهجرة خيار لا مفر منه ويجب رفع معدل المواليد
في محاضرة حديثة، أعرب زعيم حزب العقد الاجتماعي الجديد ”NSC”، بيتر أومتزيخت، عن مخاوفه من أن انخفاض معدل المواليد في هولندا وأوروبا قد يؤدي إلى زيادة الهجرة من مناطق أخرى. لكنه اقترح أيضا حلا مثيرا للجدل يتمثل في زيادة معدل الخصوبة المحلي لتجنب الاعتماد على العمال الأجانب. إلا أن هذا الاقتراح يواجه انتقادات واسعة، بما في ذلك من البروفيسور ”ليو لوكاسين”، أستاذ تاريخ العمل والهجرة العالمية بجامعة لايدن، الذي يرى أن مثل هذا الحل غير واقعي ويغذي كراهية الأجانب بدلا من تقديم بديل عملي.
التحدي الديموغرافي في أوروبا
أومتزيخت، الذي ألقى محاضرة ”HJ Schoo” لهذا العام تحت عنوان “التفكير في الحلول”، تناول مشكلة تراجع عدد السكان في أوروبا إذا استمرت معدلات الهجرة الصافية منخفضة. وقال إنه ما لم يرتفع معدل المواليد بشكل ملحوظ وطويل الأمد، فإن عدد السكان في هولندا وأوروبا سيتقلص بسرعة. كما أشار بشكل غير مباشر إلى أن البديل الوحيد لذلك هو إما زيادة معدلات الإنجاب أو مواجهة هجرة جماعية من إفريقيا. ويستند في ذلك إلى بيانات تشير إلى أن عدد المواليد في دول مثل إثيوبيا يتجاوز العدد في كل دول أوروبا مجتمعة، ناهيك عن نيجيريا.
أومتزيخت اعتبر هذا التحدي ذو أبعاد جيوسياسية، محذرا من أن عددا قليلا من الأطفال الهولنديين سيؤدي إلى نقص حاد في العمالة، مما سيجبر هولندا على استقبال موجات هجرة كبيرة من إفريقيا، وهي قضية قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع الهولندي.
الحل المقترح: زيادة الخصوبة
الحل الذي اقترحه أومتزيخت هو بسيط: على النساء الهولنديات إنجاب المزيد من الأطفال. لكنه في الوقت نفسه، يتجاهل عدة حقائق اجتماعية واقتصادية مهمة. معدل الخصوبة في معظم دول أوروبا، بما في ذلك هولندا، هو حوالي 1.5 طفل لكل امرأة، وهو بعيد عن المعدل المطلوب لاستبدال السكان، والذي يبلغ 2.1. حتى في فرنسا، التي تمتلك أعلى معدل خصوبة في أوروبا، يبلغ المعدل 1.8، بينما في دول مثل إسبانيا، ينخفض إلى 1.1.
من الناحية العملية، إن محاولة رفع معدل الخصوبة إلى 2.1 لن تكون مجدية على المدى القصير، كما أن زيادة معدل المواليد بشكل كبير سيستغرق حوالي 25 عامًا لظهور أي تأثير ملحوظ على قوة العمل. وعلاوة على ذلك، الأطفال مكلفون من الناحية الاقتصادية، والنساء اللاتي يلدن هن غالبًا من يتحملن العبء الأكبر في رعايتهم. وبالتالي، يتردد الكثير من النساء بين إنجاب الأطفال أو التمتع بنمط حياة مادي أفضل، ويختار العديد منهن الخيار الأخير.
الهجرة: خيار لا مفر منه
يُقر أومتزيخت بأن أوروبا ستظل بحاجة إلى المهاجرين، لكنه يطرح حلا يعتمد على “التمني” بدلاً من مواجهة الواقع. ما يثير القلق هو أن مثل هذه الأفكار قد تغذي كراهية الأجانب والخوف من “المهاجرين الأفارقة”، خاصة في ظل الحديث عن سيناريوهات كارثية للهجرة الجماعية. هذا النوع من التفكير يغلق الباب أمام نقاش بناء حول كيفية التعامل مع قضايا الديموغرافيا والهجرة، وهو أمر حيوي لحل المشكلات الفعلية.
منذ عام 1973، كان هناك حديث عن “الغزو” من العالم الثالث، كما وصفه الكاتب الفرنسي جان راسباي في روايته الكارثية “معسكر القديسين”. وعلى الرغم من أن عدد سكان إفريقيا قد تضاعف ثلاث مرات منذ ذلك الحين، فإن نسبة الأفارقة في عدد سكان أوروبا لا تزال ضئيلة.
الأغلبية العظمى من المهاجرين الأفارقة لا ينتقلون إلى أوروبا بل يبقون داخل قارتهم. قدوم الأفارقة إلى أوروبا كان بشكل كبير نتيجة لعوامل مثل تجنيد العمال من شمال إفريقيا وإنهاء الاستعمار والحروب المستمرة في بعض المناطق.
نحو حلول أكثر واقعية
وهنا وحسب ما جاء في مقال ”NRC”، إذا كان أومتزيخت يبحث عن حلول فعالة، فيجب أن يبدأ من الحقائق ويضع حدا للتجاوزات في القطاعات الزراعية ولوبي وكالات التوظيف التي استفادت من سياسات المرونة الاقتصادية في أوروبا. يمكن تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية في قطاعات مثل المسالخ والزراعة المكثفة والبيوت الزجاجية التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة.
ومع ذلك، حتى مع هذه الإجراءات، ستظل هولندا تعتمد على العمال المهاجرين، خاصة في القطاعات التقنية وقطاعات الرعاية والبناء. الهجرة ليست فقط ضرورية لسد الفجوات في سوق العمل، ولكنها أيضا تشكل جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الهولندي الحديث.
استراتيجية طويلة الأمد
وحسب المقال إذا كان أومتزيخت يريد حقا معالجة التحديات التي تطرحها الهجرة، فعليه أن يتبنى استراتيجية طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن هولندا بلد مهاجرين. يجب أن تتوقف سياسة إلقاء اللوم على الأجانب، ويجب تقديم فرص أفضل وأسرع لحاملي الوضع القانوني وعائلاتهم. كما ينبغي سد فجوات التوظيف في مفتشية العمل لضمان مكافحة استغلال العمالة المهاجرة.
وأخيرا، يمكن أن يكون لزيادة الحد الأدنى للأجور تأثير إيجابي ليس فقط على العمال الهولنديين، ولكن أيضا على المهاجرين، حيث سيساهم في تحسين الظروف المعيشية ويعزز الابتكار الذي يقلل من الاعتماد على العمالة المكثفة.
خلاصة
في النهاية، تعتمد أوروبا، بما في ذلك هولندا، على الهجرة لتلبية احتياجات سوق العمل. بدلاً من اقتراح حلول غير واقعية مثل زيادة معدل المواليد، يجب أن نواجه الحقائق ونبحث عن حلول شاملة تضمن تكامل المهاجرين وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجميع.