تصادم الدين والديمقراطية في المدارس الهولندية: جدل متصاعد حول القيم التربوية

تشهد هولندا منذ بداية عام 2025 نقاشاً واسعاً حول العلاقة بين الدين والديمقراطية في النظام التعليمي، بعد أن كشفت هيئة الإذاعة الهولندية (إن أو إس) من خلال برنامجها التحقيقي شؤون جارية “Nieuwsuur” عن وجود تعارض بين بعض المناهج الدينية والقيم الديمقراطية الأساسية مثل المساواة والتسامح.
يؤكد موقع هنا هولندا أن ماورد في المقال لا يمثل وجهة نظر موقع هنا هولندا ويعبر فقط عن وجهة نظر المصدر الأساس للمقال ولكن قمنا بترجمته ونشره لوضع متابعينا في صورة النقاشات والجدال الجاري في الإعلام الهولندي
مدارس دينية تُقدم رسائل متناقضة مع الديمقراطية
قالت هيئة الإذاعة الهولندية (إن أو إس)، أن تحقيقاً كشف أن بعض المدارس الإصلاحية البروتستانتينية المسيحية (Reformatorische) والإسلامية تروّج لرسائل دينية تتصادم مع مبادئ الديمقراطية مثل المساواة. فعلى الرغم من إلزام المدارس الهولندية بتدريس قيم الديمقراطية وعدم التمييز، إلا أن المادة 23 من الدستور تمنحها حرية دمج التعاليم الدينية ضمن مناهجها، ما يؤدي إلى ما وصفه الخبراء بـ”الرسائل المزدوجة” التي تربك الطلاب.
فالأطفال يتعلمون مثلاً أن لهم حرية اختيار أسلوب حياتهم، لكن في الوقت ذاته يُطلب منهم طاعة الله تعالى كمرجع مطلق. كما يدرسون نظرية التطور، مع توضيح ديني يفيد بأنها غير صحيحة وأن عمر الأرض لا يتجاوز ستة آلاف عام.
التمييز بين الجنسين ورفض المثلية
أشار التحقيق إلى أن بعض المدارس المسيحية الإصلاحية تُعلّم مبدأ المساواة، لكنها تطرح في المقابل فكرة تفوق الرجل على المرأة، إذ يُعتبر الرجل “رأس العائلة” والمرأة مطالبة بـ”الخضوع” له، مع الحدّ من دورها القيادي.
وفي التعليم الإسلامي، يتم التركيز على الاحترام وتحريم الإساءة للأديان الأخرى، غير أن بعض المناهج تضمّنت نصوصاً تُعزز صوراً نمطية سلبية عن اليهود، إذ تربط بينهم وبين حب المال أو التعامل بالربا.
أما فيما يخص العلاقات “المثلية“، فقد كشف التحقيق أن عدداً من المدارس الدينية – سواء الإصلاحية أو الإسلامية – ترفض الاعتراف بالعلاقات بين الجنس الواحد. ففي بعض المدارس الإصلاحية يُسمح لفتى وفتاة بالسير معاً في ساحة المدرسة، بينما يُمنع فتيان من ذلك.
وفي المناهج الإسلامية، وُجدت نصوص تحظر الزواج بين المثليين وتعتبره سبباً لـ”تفكك المجتمع” وظهور “أمراض خطيرة”.
حرية التعليم بين النص الدستوري والتطبيق العملي
تؤكد وزارة التعليم الهولندية أن تصادم الحقوق الأساسية أمر لا مفر منه في نظام ديمقراطي، مشيرةً إلى أن الديمقراطية تعني أيضاً تعليم الأطفال كيفية التعامل مع التباين في القيم. إلا أن خبراء في علم التربية يرون هذا الموقف “ساذجاً”، معتبرين أن الرسالة الدينية تملك دائماً تأثيراً أقوى في نفس الطفل من القيم المدنية، نظراً لجذورها العميقة في الأسرة والمجتمع.
ويقول المفكر الإسلامي المعروف عبد الله النعيم، كما نقلت عنه هيئة الإذاعة الهولندية (NOS)، إن “الدين يتمتع بميزة نفسية وعاطفية في تنشئة الأطفال، ولا يمكن أن يكون في وضع متكافئ مع القيم الديمقراطية”.
فصل المعلمين المثليين وتناقض القيم
أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في التحقيق هو فصل المعلمين المثليين من المدارس الإصلاحية. فبحسب ما نقلته هيئة الإذاعة الهولندية عن أحد مديري هذه المدارس، فإن أي معلم يدخل في علاقة مع شخص من نفس الجنس يُفصل من العمل فوراً، لأن ذلك “يتعارض مع عقيدة المدرسة”.
وفي المقابل، تلزم الحكومة هذه المدارس بتعليم قيم المساواة وعدم التمييز، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن دمج هاتين المنظومتين المتناقضتين في بيئة تربوية واحدة؟
مقاطع مثيرة للجدل في المناهج الإسلامية
وجد التحقيق أيضاً في بعض المناهج الإسلامية نصوصاً تربط بين “قوم إسرائيل” و”اليهود في زمن عيسى”، وتصفهم بأنهم “يحبون المال”، وتُظهر صوراً كرتونية تدعم هذا التصور، وهو ما وصفه خبراء مثل كريستيان لانغه بأنه “خلط خطير” بين تحريم الربا في الإسلام والأساطير المعادية لليهود.
كما أشارت بعض النصوص إلى أن اليهود كانوا يفتخرون بـ”دمهم وأصلهم”، ما قد يرسخ صورة عنصرية تاريخية. ويرى الباحث بوويان تميمي عرب أن هذه المقاطع تربط بشكل غير مباشر بين اليهود القدماء والنازيين، معتقداً أن ذلك “نهج غير تربوي”.
ردود المدارس الإسلامية والإصلاحية
ردت بعض إدارات المدارس الإسلامية بأنها لا تستخدم هذه المقاطع أو تقدمها في سياق نقدي لتوضيح القيم الديمقراطية. بينما أعلنت منظمة إدارات المدارس الإسلامية أن المنهج قيد المراجعة وسيتم حذف الفقرات المثيرة للجدل.
أما المدارس المسيحية الإصلاحية فقد دافعت عن مواقفها العقائدية، مؤكدةً أن حرية التعليم مكفولة دستورياً، وأنها تسعى لتربية طلابها على أساس “الإيمان الصحيح”.
خبراء: المدارس في مأزق تربوي
يرى بعض خبراء التربية أن الحكومة الهولندية “تسير على حبل مشدود” بين حرية التعليم وحماية القيم الديمقراطية. ويؤكد أستاذ التربية بيتر بوس أن الأطفال في مرحلة التكوين الفكري لا يجب أن يتعرضوا لرسائل متناقضة، لأنهم “رأسمال المجتمع”.
أما الباحث في قانون التعليم يوب بويتنغ فيرى أن الجمع بين حرية التعليم وواجب تدريس قيم المواطنة يضع المدارس “في مأزق”، لأن ذلك يؤدي إلى تداخل خطين متعارضين داخل النظام التعليمي نفسه.
ويخلص الباحث تميمي عرب إلى أن هولندا أمام خيار حاسم: إما أن تتبنى نموذجاً متعدد الثقافات يتيح اختلاف المفاهيم حول الحريات، أو أن تسعى لبناء نظام يرسخ المساواة الحقيقية بين الجنسين باعتبارها مبدأً أساسياً لا يمكن التنازل عنه.