وكالات رعاية وهمية تفسد النظام الصحي في هولندا على نطاق واسع
كشفت الشرطة الهولندية مؤخرا عن وجود اختراق واسع النطاق لنظام الرعاية الصحية في البلاد، حيث تمكنت عصابات إجرامية من استغلال النظام الصحي عبر استخدام مؤهلات مزورة أو من خلال إنشاء وكالات رعاية صحية خاصة بهم. وقد دقت هذه التحذيرات ناقوس الخطر بشأن سلامة وأمان الرعاية الصحية، خاصة مع تصاعد هذه الممارسات المخالفة التي تدر على المجرمين آلاف اليوروهات شهريا.
شهادات مزورة ووكالات رعاية صحية وهمية تهدد سلامة المرضى
توضح الشرطة أن المجرمين بإمكانهم الحصول على شهادات مؤهلات مزورة عبر الإنترنت، حيث تُباع هذه الشهادات غالبًا من خلال شبكات عصابات متخصصة في إنتاج وتوزيع الوثائق المزيفة. وبفضل هذه المؤهلات المزورة، يتمكن هؤلاء الأفراد من الحصول على وظائف في القطاع الصحي بأجور مرتفعة، دون امتلاك المهارات أو الكفاءات اللازمة لتقديم خدمات الرعاية الحقيقية.
وليس هذا فحسب، بل يلجأ البعض منهم إلى تشغيل مقدمي رعاية وهميين، حيث تكون خدماتهم ذات جودة متدنية أو حتى معدومة. ويقومون بزيادة دخلهم عن طريق تقديم فواتير كاذبة لشركات التأمين، تزعم أنهم قدموا خدمات رعاية لم يتم تنفيذها قط. وذكرت شرطة ميدن-نيدرلاند في تقرير اطلعت عليه قناة ”إر تي إل” نيوز أن “المجرمين الذين يكسبون 12,000 يورو شهريا هم القاعدة وليس الاستثناء”.
نقص الرقابة وممارسات مشينة
وفقا للتقرير، تستفيد العصابات الإجرامية من الفجوات الموجودة في النظام الصحي، لا سيما في المناطق التي تعاني من نقص الرقابة وشح الموظفين المؤهلين. ووجدت العصابات فرصة لاستغلال النقص الحاد في العمالة في ورديات الليل، وكذلك في خدمات رعاية المسنين وذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة.
وقد أدى هذا الوضع إلى حالات صادمة من الإساءة للمرضى؛ فهناك حالات تم فيها إجبار شبان من ذوي الإعاقات التعليمية على التعرض لممارسات مهينة، مثل الوقوف عاريين أمام النوافذ لساعات، أو القيام بتصرفات غير لائقة في الأماكن العامة، وذلك بإكراههم من قِبَل مقدمي الرعاية المزعومين.
استغلال إضافي وتجنيد في أنشطة غير مشروعة
أشارت الشرطة أيضا إلى أن المجرمين داخل قطاع الرعاية الصحية لم يتوقفوا عند استغلال النظام المالي فقط، بل تجاوزوا ذلك إلى استغلال المرضى أنفسهم، حيث يتم تجنيد بعض المرضى في أنشطة إجرامية، مثل تجارة المخدرات، مستغلين ضعفهم وقلة حيلتهم.
والأدهى من ذلك أن هؤلاء المجرمين يستخدمون وظائفهم في مجال الرعاية كغطاء قانوني لأعمالهم الإجرامية؛ إذ تتيح لهم هذه الوظائف القيام بمهمات إجرامية بينما يُفترض أنهم يعملون في مجال الرعاية. ويزيد من تفاقم الوضع نقص الرقابة الصارمة على المؤهلات التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص، إذ أفادت وكالة التعليم ”DUO”، المختصة بالتحقق من المؤهلات، بأنها أبلغت عن 100 حالة احتيال خلال عام 2023، دون أن تنتهي أي منها بإجراءات قانونية صارمة.
دعوات للتحرك وحماية الفئات الضعيفة
وصفت ماريشكا شوتة، مديرة منظمة ”KansPlus” التي تدافع عن حقوق الأشخاص ذوي الصعوبات التعليمية، هذه التقارير بـ”الواقع الصعب” و”المثير للدهشة”، وأكدت ضرورة تدخل السياسيين في لاهاي لحماية الفئات الأكثر عرضة للاستغلال، مشددة على أن هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى رقابة إضافية وحماية تضمن سلامتهم.
توصيات الشرطة والجهات الصحية لمكافحة هذه الظاهرة
في تقريرها، حثت الشرطة الهولندية الحكومة ومقدمي الرعاية الصحية على التعاون المشترك لمواجهة هذا التحدي المتزايد الذي يؤثر سلبًا على جودة ونزاهة نظام الرعاية الصحية في البلاد. وأكد التقرير على ضرورة تصحيح الأخطاء النظامية في النظام الصحي، وفرض حواجز تحد من قدرة العصابات الإجرامية على التسلل إلى هذا القطاع الهام. كما دعا إلى تعزيز التدقيق والمراقبة على مؤهلات العاملين لضمان تقديم رعاية صحية آمنة ونزيهة، والحفاظ على كرامة وحقوق المرضى، خصوصا الأكثر ضعفا منهم.
هذا التقرير يشير بوضوح إلى الحاجة الملحة لتعزيز منظومة الرعاية الصحية في هولندا، بحيث تضمن حماية المرضى وتردع استغلالهم من قبل الجهات الإجرامية، وتستعيد الثقة التي يستحقها هذا القطاع الأساسي في المجتمع.