أخبار هولندا

الحكومة الهولندية تُخفي تقريرا حاسما قد يؤدي إلى عودة عشرات الآلاف من السوريين

في خطوة مثيرة للجدل، قررت الحكومة الهولندية حجب تقرير رسمي من وزارة الخارجية يُقيّم مدى أمان سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهو ما قد يُفضي إلى إعادة عشرات الآلاف من طالبي اللجوء السوريين إلى بلدهم. هذا القرار يُثير قلقا واسعا في الأوساط القانونية والحقوقية والسياسية، وسط اتهامات للحكومة بانتهاك مبادئ الشفافية والعدالة.

سياسة جديدة… ومعلومات سرية

من المعتاد منذ عقود أن تنشر وزارة الخارجية الهولندية ما يُعرف بـ “التقارير الدبلوماسية” حول الأوضاع الأمنية في دول منشأ طالبي اللجوء، والتي تُستخدم كأساس لاتخاذ قرارات منح أو رفض اللجوء. لكن حكومة رئيس الوزراء ديك شوف، في إطار تطبيق ما وصفته بـ “أشد سياسة لجوء في تاريخ البلاد”، قررت التوقف عن نشر هذه التقارير، بدءا بتقارير حديثة حول اليمن وإريتريا.

وفي رسالة وجهها وزير الخارجية هنري فيلكامب إلى البرلمان هذا الأسبوع، أكد أن هذه التقارير “لن تُنشر بعد الآن من حيث المبدأ”، مشيرا إلى اتفاق تم التوصل إليه خلال مشاورات تشكيل الحكومة، يهدف إلى منع “استغلال” هذه الوثائق من قِبل محامي اللجوء ومهربي البشر، حسب قوله.

تداعيات حاسمة على اللاجئين السوريين

الجدل يتركز حاليا على تقرير مرتقب عن سوريا من المتوقع صدوره نهاية الشهر الجاري. ويترقب هذا التقرير آلاف السوريين المقيمين في هولندا، حيث سيُحدد ما إذا كان بلدهم يُعد آمنا بما فيه الكفاية لإعادتهم. ويأتي ذلك في وقت يطالب فيه سياسيون، مثل زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، بإعادة أكبر عدد ممكن من السوريين بعد “اختفاء الأسد”، في حين يحذر اللاجئون ومنظمات حقوقية من استمرار انعدام الأمن في سوريا، بسبب المجازر والانتهاكات المستمرة.

انتقادات حقوقية وقانونية

قرار حجب التقارير أثار ردود فعل قوية من قبل خبراء قانونيين ومنظمات مجتمع مدني. أستاذ قانون الهجرة توماس سبايكر بور وصف القرار بأنه “صادم”، مضيفًا: “منذ عام 1986 وهذه التقارير تُنشر بشكل علني، وهي حاسمة في تقييم إمكانية إعادة طالبي اللجوء إلى بلدان مثل سوريا أو السودان”.

رئيس رابطة محامي اللجوء في هولندا، ويل إيكلبوم، حذر من أن هذا القرار قد يؤدي إلى “عملية قضائية سرية”، حيث يُمنع طالب اللجوء من الاطلاع على الأدلة التي تستند إليها الدولة في قراراتها. وأكد أن القضاء الهولندي، المعروف بشفافيته، لن يقبل بمثل هذا النهج.

من جهتها، اعتبرت ميرثه وينكوب من منظمة “فلوختيلينغن فيرك” (العمل من أجل اللاجئين) أن القرار “غير مفهوم وغير حكيم”، ويهدد بإفراغ إجراءات اللجوء من مضمونها العادل.

معارضة برلمانية وتصعيد محتمل

رغم دعم أحزاب الائتلاف الحاكم للقرار، فإنه قوبل بانتقادات لاذعة من أحزاب المعارضة. النائبة كاتي بيري عن حزب “الخضر/العمال” قالت: “سبعون ألف سوري يعيشون في هولندا، وقد يُعادون من خلال تقرير لا نعرف ما فيه. هذا غير مقبول في دولة ديمقراطية”.

وأضافت زميلتها من حزب “D66″، ألكسندرا بودت: “هذه وصفة لفوضى قضائية. كيف يمكن اتخاذ قرار بشأن العودة دون معرفة ما إذا كانت الدولة آمنة؟ هذه السرية ستقود حتمًا إلى مزيد من الطعون أمام القضاء”.

أفق المواجهة القانونية مفتوح

وفي الوقت الذي تصر فيه الحكومة على موقفها، لا يُستبعد أن تُجبر لاحقًا على الكشف عن محتوى التقارير عبر طلبات رسمية استنادا إلى “قانون الشفافية الإدارية” (WOO). وتشير تسريبات من داخل الحكومة إلى أن بعض المسؤولين يتوقعون بالفعل أن تصطدم السرية الجديدة بمطالب القضاء أو الإعلام.

قرار الحكومة الهولندية بإخفاء التقرير المرتقب حول سوريا يضع آلاف اللاجئين في حالة من الترقب والقلق، ويطرح أسئلة جدية حول التوازن بين الأمن القومي وحقوق الإنسان. بينما يقترب موعد صدور التقرير، تتصاعد الضغوط على الحكومة لتقديم توضيحات وضمان أن تبقى قرارات اللجوء في إطار القانون والعدالة والشفافية.

اترك تعليقاً

error: انتبه المحتوى محمي بموجب قانون النشر!!

أنت تستخدم أداة حظر الإعلانات

لقراءة المقالة، يرجى إيقاف أداة حظر الإعلانات